سلسلة مراحل الحياة من منظور التنمية المهنية - الخصائص والاحتيجات
الجزء الثاني: خصائص واحتياجات كل من مراحل الحياة (سلسة مراحل الحياة من منظور التنمية المهنية)
لخص عالم النفس دونالد سوبر Donald Super عملية النمو المهني بخمس مراحل أساسية لكل مرحلة سن معين، وتختلف خصائص هذه المراحل باختلاف العوامل البيولوجية والاجتماعية والبيئية والمهنية التي تؤثر على كل مرحلة، كما تختلف باختلاف ادراك الذات. وسنتطرق فيما يلي لمراحل الحياة المهنية الخمسة:
- مرحلة النمو
تبدأ أولى مراحل الحياة المهنية منذ ولادة الطفل حتى يبلغ 15 عاما، وهي مرحلة الطفولة والشباب المبكر. وفي هذه المرحلة يكون الشخص صورة عن نفسه، وعن العالم من حوله متأثرا بالأشخاص الذين يتفاعل معهم سواء في الأسرة أو المدرسة، فالبيئة المحيطة بالشخص لها التأثير الأكبر في تكوين الصورة الذاتية لديه، والتي بناء عليها سيقوم باختياراته المهنية في المراحل التالية، ولذلك تعتبر مرحلة النمو أهم مراحل الحياة المهنية. وهنا تسيطر الخيالات والرغبة في تجربة الأنشطة المختلفة لاكتشاف العالم من حوله واختبار الواقع. لذلك يجب أن تبدأ التوعية المهنية في هذه المرحلة، بمساعدة الأسرة والمدرسة من خلال تشجيع الشخص على الاشتراك في الأنشطة الفنية والاجتماعية والرياضية والابتكارية وغيرها، وذلك لتكوين صورة ذاتية حقيقية عن ما يتمتع به من اهتمامات ومواهب وإمكانيات.
- مرحلة الاستكشاف
تبدأ من سن 15 حتى 25 وهي المرحلة الثانية من مراحل الحياة المهنية، وتعتبر بالنسبة للفرد مرحلة البلوغ على المستوى الفكري والبدني. وهنا تبدأ مرحلة اكتشاف الذات، والبحث عن الهوية الشخصية، وفي هذه المرحلة يبدأ الفرد في تحديد الأولويات المهنية لاختيار التخصص التعليمي، الثانوي والجامعي، ثم الاستعداد لدخول مجال عمل معين، والبحث عن فرص عمل مناسبة. ويجب في هذه المرحلة أن يطور الفرد إدراكه لذاته المهنية من خلال الوعي بميوله وقيمه، وتحديد أهدافه المهنية وإعداد الخطط الضرورية لتحقيق هذه الأهداف.
- مرحلة التأسيس
هي من سن 25 إلى 45 وفي هذه المرحلة يحصل الفرد على عمل مناسب، ويبدأ في تكوين أسرة، وتزداد مسؤولياته الوظيفية، والتزاماته المادية والعائلية؛ لذلك يبذل الفرد في هذه المرحلة جهدا لتحقيق النجاح والإنجازات في هذا العمل، ويضع تركيزه على اغتنام الفرص للنمو، وإظهار الاحترافية في العمل، وتحقيق المكاسب المادية. ويمكن أن يقوم الفرد في هذه المرحلة ببعض التغيرات في العمل بهدف اكتساب مهارات وخبرات جديدة لتحسين الواقع المهني، وعلى الفرد أن يبقى على دراية ووعي تام بأهدافه المهنية، وكذلك متطلباته واحتياجاته الشخصية بهذه المرحلة، ويحرص على استيفاء كافة جوانب الحياة الأخرى، وليس فقط الجانب العملي ليحدث التوازن المطلوب.
- مرحلة الاستمرار
هي من سن 45 إلى 65، وهنا يحاول الفرد المحافظة على ما حققه أو اكتسبه من مهنته، ويميل نحو عدم تغيير المهنة لأنه حقق مكانة مريحة في مجال عمله. وتتميز هذه المرحلة بعملية تكيف مستمرة لتحسين مركز العمل وأوضاعه، ومواكبة ما يحدث من تطورات في المجال، وما يستحدث من أفكار وعلوم ومهارات. ومع انتهاء هذه المرحلة يجب أن يستعد الفرد لتقليص مسؤولياته الوظيفية، ووضع خطة جديدة تضم الأنشطة الترفيهية والاجتماعية والثقافية ليمارس من خلالها هواياته واهتماماته الشخصية ويطورها، أو يكتشف اهتمامات جديدة. وتعتبر هذه المرحلة بمثابة استعداد نفسي يضمن رضا وسعادة الفرد حين يصل لمرحلة التقاعد.
- مرحلة التقاعد
حين يبلغ الفرد سن التقاعد، من 65 فما فوق، تضعف طاقاته العقلية والجسمية، وقد يزداد شعوره بالملل لاعتقاده بعدم وجود هدف يشعره بقيمة الحياة بعد أن انتهى دوره المهني. لذلك يتجدد هنا دور الأسرة والمجتمع في توفير الأنشطة المناسبة للأفراد البالغين سن التقاعد، وهنا يجب أن يكون الاستمتاع بالحياة وممارسة الأنشطة الاجتماعية والترفيهية والروحانية هي هدف الفرد الرئيس بعد مشواره المهني.
وأخيرا، بعد أن تعرفنا على مراحل الحياة الخمسة وفقا لنظرية سوبر للنمو المهني، يجب أن نؤكد أن الاختيار المهني وفقا لهذه النظرية هي عملية مستمرة طيلة حياة الإنسان، وأن نضج قدرات وميول الفرد على مدار مراحل حياته يعتبر عاملا مكملا لمساعدته في تنمية إدراك الذات المهنية لديه ليقوم باختيار المسار المهني واتخاذ القرارات المناسبة، مما يجعله يحقق الرضا والسعادة في العمل مدى الحياة.